تمثل تجربة صلاح الدين الأيوبي في القيادة والوحدة والتحرير إحدى التجارب الرائدة في تاريخ الأمة، التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة باستمرار؛ لإستلهام العبر والعظات منها، والاستفادة منها في واقع الأمة، وخاصةً الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال الصهيوني، الذي استوطن أرض فلسطين وبعض الأجزاء العربية الأخرى، في مشابهةٍ كبيرة للاستيطان الصليبي لأرض فلسطين، وغيرها من بلاد الشام، وقد كان لصلاح الدين الشرف في حمل لواء المقاومة والتحرير لأجزاء واسعة من بلاد الشام، كان أبرزها وأهمها بيت المقدس. إنَّ دراسة هذه التجربة تحتاج إلى توفر المصادر العلمية اللازمة، وخاصةً تلك التي كانت معاصرة وشاهدة على الحدث، وقد توفر العديد من الدراسات المعاصرة لهذه التجربة، والتي ألفها مؤرخون شاركوا في صنع هذه الأحداث، أو كانوا شهوداً عليها، مثل : ابن شداد، والعماد الكاتب الأصفهاني، وابن الأثير، وكان القاضي الفاضل من حيث الأهمية في مقدمة هؤلاء، فقد كان وزيراً لصلاح الدين الأيوبي، الذي كان لا يُقدم على خطوة إلا استشاره فيها، وقد اعتمد عليه في تدبير دولته، وتجهيز جيوشه، وتأمين رعاياه، كما اعتمد عليه في مفاوضاته السياسية، وفي حروبه مع الصليبيين، وكتب خلال ذلك الكثير من رسائل صلاح الدين الموجهة إلى الخليفة العباسي، أو الأمراء وغيرهم. وهو ما يؤكد على أهمية رسائل القاضي الفاضل، وأهمية جمعها وتوثيقها، باعتبارها من أوثق المصادر المتعلقة بتلك المرحلة، ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث الذي يهدف إلى : 1- ضرورة جمع رسائل القاضي الفاضل وتحقيقها باعتبارها سجلاً تاريخياً موثوقاً للحروب الصليبية، ولسيرة صلاح الدين. 2- حفظ هذه المادة التاريخية، وإبرازها، وتسهيل حصول الباحثين على المعلومات المتعلقة بتلك المرحلة، من خلال هذه الرسائل المجموعة والمحققة، وتشجعيهم على البحث في تلك المرحلة. 3- تخليد اسم القاضي الفاضل من خلال هذا البحث تقديراً لشخصيته، ومكانته. 4- بيان مكانة القاضي الفاضل عند صلاح الدين، ودوره في دعمه، وتشجيعه في جهاده ضد الصليبيين. ورغم أهمية رسائل القاضي الفاضل فقد بقيت إما متناثرة في بطون المصادر الأخرى، أو في عدد من المخطوطات النادرة المختصة برسائل القاضي الفاضل التي حُقق بعضها، ولم يُحقق البعض الآخر، وكان معظم الرسائل مما حُقق هي رسائل أدبية بعيدة عن اختصاص هذا البحث في الرسائل السياسية. وقد قمت بجمع الرسائل السياسية المتناثرة في المخطوطات المتعلقة برسائل القاضي الفاضل، أو المصادر الأخرى، وواجهت خلال ذلك صعوبة بالغة؛ لأن المخطوطات كُتبت بخطٍ معقد ورديء يصعب فهمه، واضطررت لتحويلها لخط النسخ العادي بعد جهدٍ كبير، كما أنَّ أسلوب القاضي الفاضل هو أسلوب أدبي عالي المستوى، يغلب عليه السجع والمحسنات البديعية، مما يجعل فهمه والتعامل معه هو أمر في غاية الصعوبة. وقد تم تقسيم هذا البحث إلى ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول حياة القاضي الفاضل ومكانته العلمية، وأما الثاني فقد تطرق إلى رسائل القاضي الفاضل حول توحيد صلاح الدين مصر والشام والموصل، وأما الفصل الثالث فقد تضمن الحديث عن رسائل القاضي الفاضل حول معارك صلاح الدين مع الصليبيين.

• PhD and MSc Theses- Faculty of Art [600]